إنك إذا نظرت إلى ساحر مثلا فيأخذك العجب مما يصنع ومن قدرته على عمل أشياء لا يستطيعها الناس ، فأنت تعجب به وتحبه إعجابا بما يصنع وإعجابا بقدرته ، ومن أثر هذا الحب أنك تصفق لإظهار إعجابك بما يصنع ، وكذلك إذا رأيت أحد الناس قد نال بطولة رياضية معينة أو حقق رقما قياسيا فإنك تعجب به وتحبه وتصفق له ، إن قدرة الله أعظم من ذلك بكثير لأن قدرته ليست سحرا ولكنها حقيقة وهي قدرة تصل إلى حد الكمال بحيث يستطيع أن يصنع أي شيء وكل شيء ، إن كل ذلك يدعو إلى حبه سبحانه .
ـ حب الله تعالى يكون لجمال ذاته وحب إعجاب بجمال صفاته وحب إعجاب بمدى عظمة قدرته وعلمه وصفاته وحبه لإنعامه ، وحبه لأنه الواحد ، وحبه لأنه الوكيل ، ونوضح ذلك كالتالي :
1ـ حب الله لجمال ذاته :
ـ الإنسان إذا نظر إلى وردة جميلة فإنه يحب ذلك المنظر ويجد في ذلك متعة ، فهذا النظر متعة للإنسان .
ـ الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء ونحن لم نره ولكننا نوقن يقينا حقيقيا بجمال ذاته لأنه هو الذي أبدع وخلق جمال المنظر في الأشياء كالورد والفراشات والألوان المتناسقة المبدعة في كل شيء ، وخالق الشيء هو أولى به ، فمثلا الذي خلق في الإنسان قوة فهو أقوى منه : (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ))(1) .
ـ وجمال ذاته سبحانه هو فوق كل ما يتصوره الإنسان لدرجة أن مجرد النظر إلى وجه الله الكريم سبحانه أكثر لذة من كل لذات الجنة بما فيها من الخمور والحور العين وكل متع الجنة ، لذلك فأسعد شيء يرجوه المؤمن هو لذة النظر إلى وجه الله الكريم سبحانه وتعالى .
2ـ حب الإعجاب بجمال صفاته :
ـ الصفات الحميدة في الإنسان مثل الشجاعة والكرم والنجدة والقوة .... الخ هي صفات محبوبة ، والصفات السيئة مثل الجشع والظلم والقسوة والطمع .... الخ هي صفات مكروهة ، الله له كل الصفات الحميدة فهو ينعم على الناس ولا يريد شيئا منهم ويرحمهم ويغفر لهم ويحلم عليهم ويتصف بكل الصفات الحميدة الجميلة .
ـ وكل صفات الله تعالى محبوبة ، والتكبر عكسه الخضوع ، فالتكبر صفة قوة والخضوع صفة ضعف ونقص ، وهناك فرق بين تكبر الظالم على المظلوم ، وتكبر من حقيقته القوة على من حقيقته الضعف ، فالظالم ليست له قوة حقيقية ولكنه أخذها من المظلوم ، والمظلوم كانت له قوة فسلبت منه ، أما إذا كان المتكبر ليس ظالما فهو في ذاته قوى ولم يأخذ قوته من أحد ، وتكبر على من ليست له قوة أصلا فلم يسلب منه أحد قوة ، فذلك التكبر صفة مدح ، فالإنسان ليس له أن يتكبر على غيره لأن جميع البشر لا قوة لهم ، فما عندهم من قوة هو نعمة من الله عليهم وليست ملكا لهم ، والله له القوة وحده وغيره لا قوة له : (( أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ))(2) ، فالناس يخضعون لله لأن هذا حقه لأنهم ضعفاء وهو القوى ، والضعيف يخضع للقوى والقوى بحق يتكبر على الضعيف الذي لا قوة له فلم يسلب منه أحد قوته .
ـ فصفات الله مثل الجبار والمتكبر والقهار هي أيضا صفات محبوبة ، لأن صفات القوة والإرادة عند البشر هي صفات مخلوقة فيهم وليسوا هم أقوياء من ذوات أنفسهم وحقيقتهم أنهم ضعفاء وما عندهم من قوة هو محض تكرم من الله عليهم ، لذلك فالإنسان ليس له أن يتكبر لأنه ليس بقوي ، والقوي بحق هو الذي له أن يتكبر على الضعيف .
ـ وفي تفسير الرازي : (( واعلم أن المتكبر في حق الخلق اسم ذم ، لأن المتكبر هو الذي يظهر من نفسه الكبر ، وذلك نقص في حق الخلق ، لأنه ليس له كبر ولا علو ، بل ليس معه إلا الحقارة والذلة والمسكنة ، فإذا أظهر العلو كان كاذباً ، فكان ذلك مذموماً في حقه أما الحق سبحانه فله جميع أنواع العلو والكبرياء ، فإذا أظهره فقد أرشد العباد إلى تعريف جلاله وعلوه ، فكان ذلك في غاية المدح في حقه سبحانه ولهذا السبب لما ذكر هذا الاسم قال :
سبحان الله عَمَّا يُشْرِكُونَ كأنه قيل : إن المخلوقين قد يتكبرون ويدعون مشاركة الله في هذا الوصف لكنه سبحانه منزه عن التكبر الذي هو حاصل للخلق لأنهم ناقصون بحسب ذواتهم ، فادعاؤهم الكبر يكون ضم نقصان الكذب إلى النقصان الذاتي ، أما الحق سبحانه فله العلو والعزة ، فإذا أظهره كان ذلك ضم كمال إلى كمال ، فسبحان الله عما يشركون في إثبات صفة المتكبرية للخالق ))(3) .
3ـ حب الإعجاب بمدى قدرة الله وعلمه وصفاته :
ـ الناس يحبون من يحقق رقما قياسيا في بطولة رياضية مثلا لأنه بلغ قدرة كبيره وينظرون إليه نظرة إعجاب بقدرته وحب له .
ـ فالصفات لها درجات ، فالقوة لها درجات والعلم له درجات وهكذا ، وصفات الله تصل إلى درجة الكمال ، فقوة الله هائلة جدا لا توصف وكذلك علمه وكل صفاته ، فصفات الله سبحانه ليست مجرد صفات موجودة ولكنها تصل إلى حد الكمال من العظمة بحيث تجعلك يجعلك تحير وتندهش وتتعجب وتعجب وتنبهر وتذهل من مدى عظمة الخالق وقدرته سبحانه ، وهذا هو معنى كلمة ( إله ) في اللغة ، ففي تاج العروس : (( وفي حدِيثِ وهب بنِ الوَرْدِ : ( إذا وَقَعَ العَبْدُ في *!أُلْهانِيَّةِ الرَّبِّ ، ومُهَيْمِنِيَّة الصِّدِّيقِيْن ورَهْبَانِيَّةِ الأبْرارِ لم يَجِدْ أَحَداً يَأْخُذ بقَلْبِه ) ، أَي لم يَجِدْ أَحَداً يَعجبُه ولم يُحِبَّ إلاَّ اللَّهَ سبحانه ، قالَ ابنُ الأثيرِ : هو فُعْلانِيَّة مِن ألِهَ يَأْلَهُ إذا تَحَيَّرَ ، يُريدُ إذا وَقَعَ العَبْدُ في عَظَمَةِ اللَّهِ وجَلالِهِ وغيرِ ذلِكَ مِن صفَاتِ الرُّبُوبيَّةِ وصَرَفَ توهّمُه إليها ، أَبْغَضَ الناسَ حتى ما يميلَ قلْبُه إلى أَحَدٍ ))(4) .
ـ وهذا يجعل مشاعرك تتعلق به حبا وخضوعا وخوفا ورجاءا لدرجة أنك لا تستطيع أن تقطع مشاعرك وهمومك وأهدافك عنه ، لأنك لو قطعت مشاعرك وهمومك وأهدافك عنه تهلك ، فهذا هو الوله ( مأخوذ من كلمة " إله " ) مثل قولك ( العاشق الولهان ) أي الذي لا يستطيع أن يقطع حبه ومشاعره وأهدافه عن محبوبه فلا يستطيع أن يعيش إذا ابتعد عن محبوبه .
ـ " الوله " يدل على الحب والفرح بالمحبوب لدرجة أنه إذا ابتعد عنك تتحير ويذهب عقلك وتحزن حزنا شديدا ، وهذا التحير والحزن هو الوله : (( الوَلَهُ : ذهابُ العَقل والفُؤاد من فُقْدانِ حبيب ، يقال : وَلِهَت تَوْلَهُ وَتَلِهُ، وهي والهةٌ ووَالِه. وكل انثى فارقت وَلَدَهَا فهي والِهٌ ))(5) ، (( ( وله ) الوَلَهُ الحزن وقيل هو ذهاب العقل والتحير من شدّة الوجد أَو الحزن أَو الخوف والوَلَهُ ذهاب العقل لفِقْدانِ الحبيب ))(6) .
ـ فالمحب يفرح ويطمئن ويشعر بالأنس بلقاء محبوبه أو رؤيته أو ذكره والحديث عنه أو يفخر بالإنتساب إليه ، فكل ذلك صور للقرب من محبوبه ، ويشعر بالغربة والحيرة والحزن عندما لا تحدث هذه الأمور ، أي عند البعد عن محبوبه ، فكذلك المؤمن يفرح ويطمئن ويشعر بالأنس بلقاء الله أو رؤيته يوم القيامة أو ذكره والحديث عنه أو يفخر بالإنتساب إليه بأن يعمل عبدا له ، فأفضل لقب يحصل عليه الإنسان هو أن يكون عبدا لله تعالى ، فكل ذلك صور للقرب من محبوبه ، ويشعر بالغربة والحيرة والحزن عندما لا تحدث هذه الأمور ، أي عند البعد عن محبوبه : (( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ))(7) .
4ـ حب الله تعالى لإنعامه :
ـ النعم أمانة أو عارية يستردها صاحبها وهو الله سبحانه في أي وقت شاء ، لذلك فأنت تحب الله لما أعطاك ولا تكرهه لما سلب منك لأنه أعطاك أمانة تمتعت بها فترة من الزمن بغير استحقاق منك ، فأنت تحبه لما استفدت به من هذه النعمة خلال هذه الفترة .
ـ فالله ينعم عليك ويتودد إليك فلماذا لا تشعر بحبه ؟ فلو أن رجلا أعطاك مالا وبيتا ومرتبا شهريا وزوجك وتكفل برعايتك وتودد إليك ( فهو الودود) فلماذا لا تحبه ؟ ، فيجب عليك أولا أن تشعر بالتجرد والاحتياج إلى النعم وأنك لم تأتي بالنعم من كدك أو تعبك وأنها ليست ملكا لك وأنك في أمس الحاجة إليها ، ثم تتصور أن أحدا يعطيك هذه اللقمة التي تأكلها عن جوع واحتياج وبدون ثمن ولا مقابل فتحبه ، وكذلك تصور أن أحدا يعطيك ما تلبس وما تملك من عنده وبلا مقابل ، إنك عندئذ تشعر بالحب له ، أما إذا كنت تتصور أن ما عندك إنما هو من كدك وتعبك وأنه ملك لك أو أن أحدا أعطاك حقا لك وواجبا عليه وهو ملك لك فلن تشعر بالحب لله .
ـ وتصور أنك تقابلت مع شخص هو الذي كان قد أنفق عليك ورعاك طوال سنوات عمرك منذ أن كنت رضيعا وأعطاك السكن الذي تسكن فيه وكل شيء فبماذا تشعر ؟ ، ولماذا لا تجد مثل هذا الشعور والله هو المالك لكل شيء المنعم عليك وأنت بين يديه ولا تغيب عنه طول وقتك .
ـ إذن عندما تتجرد من النعم وتنسب كل النعم إلى الله تعالى يحدث لك مشاعر هي : الخضوع والانقياد وأنك عاري لا تملك شيئا ولا سمعا ولا بصرا ، والحب لله لأن هذه النعم عندك تتمتع بها ، إذن قد أًعْطِيَتْ لك مقصودة لك فتحبه ، وتتوكل على الله لأنك عاري لا تستطيع عمل شيء ولا تملك شيئا فتعتمد على الله ليعطيك .
5ـ حب الله لأنه الواحد :
ـ توحيد الله يؤدي إلى حبه لأن العبد عندئذ لا يخاف إلا من الله ولا يرجو إلا الله ولا يذل لغيره ، وفي ذلك راحة وسعادة : (( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ))(
.
6ـ حب الله لأنه الوكيل :
ـ فالله يتكفل بما يحتاجه العبد ، فيتوكل العبد على الله وفي ذلك راحة وسعادة .
7ـ حب الله لأنه تواب غفور رحيم ودود فيتوب على من أذنب ويغفر له ويتودد إلى عباده ، فأنت إذا أخطأت في حق ملك من ملوك الدنيا وخالفت أمره فقد يبطش بك ولكن الله يظل يغفر لك طالما أنك تتوب مهما كثرت الذنوب ، فذلك يؤدي بالضرورة إلى محبته .
8ـ حب الله لأنه الهادي ، والله يعرف الإنسان بطريق الهداية ويعينه عليه ويحب له الخير وأرسل إليه الرسل ليرشده إلى ما فيه نجاته وسعادته .
9ـ حب الله لأنه يجيب الدعاء ، فكلما احتجت إلى أي شيء دعوته فوجدته في أي وقت ، إن الله عنده القوة التي تحميك وعنده كل ما تريد وتطلب في الدنيا والآخرة .
10ـ حب الله لأنه يريد للإنسان الخير ، وما يحدث للإنسان من ابتلاءات هو خيرا له لكي يفيق من غفلته ، كما أن الابتلاءات والمصائب فيها تكفير للذنوب ، وفي الحديث : (( يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاَءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ في الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ ))(9) .
11ـ حب الله لأنه يعطي الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها فقط .
ـ معنى الحب :
ـ الحب هو أحلى وألذ ما يشعر به القلب ، ونحن في زمان كثر فيه الكلام عن الحب حتى أمتهنت كلمة الحب ، فلا تحتاج إلى أن أذكر لك فوائد ومزايا وجمال ولذة ومتعة الحب لأنهم وصفوا ذلك وصفا مبالغا فيه بالباطل إلا أننا نتحدث عنه بالحق ، فالقلب لم ينبض بحب حق إلا حب الله تعالى .
ـ فالحب هو الإحساس بالراحة والميل والإعجاب والسعادة والطمأنينة والسكينة بالشيء لما فيه من صفات جميلة وما يعود علي الإنسان من الخير منه ، فإذا كنت تشعر بهذا الشعور تجاه الله فأنت تحب الله ، وهل تشعر بحبه وأنت ذاهب إلى لقاء الله في الصلاة ؟ .
ـ فإن الذي يحب امرأة فإنه يشعر بالميل إليها ، لذلك فالحب هو الميل إلى المحبوب وهذا معني كلمة حنيف (( حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ ))(10) ، وإن الذي يحب امرأة فإنه يشعر بالشوق إليها ، لذلك فالحب هو الشوق إلى لقاء المحبوب ، فمن أدعية الرسول (صلى الله تعالى عليه وسلم) : (( اللهم وأسألك لذة العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك وشوقا إلى لقاك ))(11) ، وإن الذي يحب امرأة ينشغل باله وفكره بها ، فالحب هو هيجان القلب عند ذكر المحبوب : (( إنما الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ))(12) ، (( الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ))(13) ، وإن الذي يحب امرأة يشعر بالراحة والسعادة عند ذكر المحبوب ، فالحب هو سكون القلب إلى المحبوب : (( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ))(14).
ـ إن الله تعالى يقول : (( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))(15) ، وأنت تسمع من كلام الحب للعشاق في الغناء وفي الشعر ما معناه : إن كل أعمالي وكل حياتي وروحي ومماتي للمحبوب ، وهذا هو ملخص معظم الأغاني والأشعار ، وهذا لا يكون إلا لله ، لأن هذا الكلام يفيد أن كل مشاعري وكل ما يشغل بالي وكل أهدافي هي المحبوب ، فخطورة أغني العشاق أن فيها تعظيم لحب غير الله ففي ذلك صرف عن حب الله كما أن فيها تلهي وتشاغل عن الله ، وهذا يعني أن كلام الحب للعشاق لابد أن يتحول إلى الله بشرط تعديله بحيث يليق ويتناسب مع الله سبحانه ، وبشرط إزالة الكلمات والمعاني التي تتناسب مع الطين ( الإنسان ) لأنك تتعامل مع الله سبحانه ، وإنك تجد أن أهل الغناء والشعراء كثيرا ما يبالغون مبالغة شديدة في معاني القرب من محبوبهم ، وهذه المبالغة الشديدة إنما تجب أن تكون لله تعالي ، والعكس فإن الكلمات والمعاني الدينية التي تستخدم للتقرب إلى الله فإنك تجد أهل الغناء يستخدمون معاني قريبة أو شبيهة أو حتى نفس الكلمات في التقرب إلى المحبوب وهذا يجب أن يكون لله تعالى ، فإن الشعراء وأهل الغناء ذاقوا طعم الحب ، ولكن للأسف الحب للنساء ، ولابد أن يكون نفس هذا الحب ، بل أشد منه لله تعالى ، وهذا معنى قوله تعالى : (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ ))(16) ، (( إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ))(17) .
ـ الحالة النفسية للحب والشوق والرغبة :
ـ الحب صورة من صور الشعور باللذة ، فإذا لم يشعر الإنسان باللذة فهو لا يحب ، فالحب عبارة عن متعة ولذة ، فمن لم يجد في محبة الله متعة ولذة فهو لا يحب الله تعالى .
ـ كثيرا من الناس يدعون حب الله وحب الجنة فإن الذي يحب شخصا فإنه يحب أن يذهب إليه ويتحدث معه فهل تجد في نفسك الشوق إلى لقاء الله والشوق إلى النظر إلى وجه الله الكريم في جنات النعيم ، ومن أدعية الرسول (صلى الله تعالى عليه وسلم) : (( اللهم وأسألك لذة العيش بعد الموت ولذة النظر إلى وجهك وشوقا إلى لقاك ))(18) .
ـ وكثيرا من الناس يدعون حب الجنة والشوق إلى الحور العين فهل عندك نفس الحالة النفسية التي عند محب يشتاق إلى محبوبته ؟ إذن فالحور العين لا وجود لها في مشاعرك ، إنما فقط هي في الاقتناع النظري وليست في الشعور كأنها مصنوعة من البلاستيك وليست نساء جميلات .
ـ إن الذي يدعي حب الله أو حب الجنة ولا يشعر بالحالة النفسية التي يشعر بها المحبين في الدنيا فليس بمحب ، فالمشاعر ليست شيئا هلاميا وهميا ولكنها حالة نفسية وحالة عاطفية ومزاجية موجودة في النفس ، فحب الله هو من جنس الحب الموجود في الدنيا ، لأنه إذا لم يكن حب